
القلق العام
هو احساس مبهم بالخوف .. بالتوقع السيء .. بأن شيء ما سيحدث .. شيء غير سار، وما أقسى أن تخاف من المجهول، ما أفظع أن تخاف من لا شيء .. إنه الخوف الدائم من كل شيء، حالة دائمة من الفزع والتوتر.
فالخوف هو ردة فعل طبيعية لما يعتبره الإنسان الطبيعي تهديدًا له سواء لحياته أو ما يعتبره يوفر سلامته الجسمانية والنفسية، أما الخوف المرضي (القلق) فهو الخوف المبالغ فيه من جهة ويصعب تحديد أسبابه من جهة أخرى فهو يتوقع شيئا سيئا قد يحصل لكن لا يعرف ما هو بالضبط، فالقلق حالة حادة يمر بها أغلب الناس من وقت إلى آخر.. إذ يلعب القلق الطبيعي دوراً مهماً في القدرة على البقاء، فعندما نتعرض لخطر ما، تستعد أجسامنا للرد على هذا الخطر عن طريق إفراز الأدرينالن وزيادة تدفق الدم وزيادة دقات القلب بالإضافة إلى أشياء آخرى، ومن الممكن لهذا الرد الغريزي من أن يساعد شخصاً ما على التغلب على أي اعتداء او توتر (المواجهة أو الهرب)، اما اذا استمر الضغط النفسي والإحباط، فإذا لم يتمكن الشخص من إطلاق ما بداخله، فإن الجسم ربما يظل في حالة مستمرة من اليقظة العقلية والنفسية والجسدية والتي من الممكن أن تسبب خوار القوى على المدى الطويل.. عندما تستمر حالة القلق لمدة أسابيع أو شهور، وعندما تتطور إلى حالة صعبة من الفزع أو تبدأ في التأثير على حياة الشخص اليومية، فعندئذ يكون القلق قد تعدى حيز القلق الطبيعي.. لذا يجب أن نفرق بين مشاعر القلق التي تنتابنا حين نتعرض للأزمات والضغوط، وبين القلق النفسي الذي يعتبر مرضاً مستقلاً ليس له علاقة بالظروف أو المؤثرات المحيطة، فالقلق يؤثر علينا جسدياً، وعاطفياً، بل وعلي كل أوجه الحياة المختلفة.
وعندما يكون المريض قلقاً من كل شيء طوال الوقت وغير قادرعلى تحديد السبب يكون مصاباً بما يسمى إضطراب القلق العام Generalized Anxiety Disorder
فاضطراب القلق العام هو إضطراب نفسي يتميز بالتوتر، وفرط نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي، وتوقع كارثة وشيكة، واليقظة المستمرة للخطر، وهو من أكثر الإضطرابات النفسية والعقلية إنتشاراً، حيث يلازم المريض إحساس دائم غامض وغير سار بالخوف والتوتر والتوقع السيء والتحفز لشيء غير معروف وغير موجود، هذه الأحاسيس المضطربة تفقد المريض القدرة على الإسترخاء والإستمتاع بالحياة، فيكون دائماً متوتراً غير مستقر وعاجزاً عن التركيز في أمور حياته وأعماله، مما ينتج عنه صعوبة مواجهة المشاكل الحياتية والإنفعال الدائم لأتفه الأشياء، وعدم القدرة على الهدوء، قد يشكو المريض من مشاكل في الذاكرة وغالبا ما يكون سبب ذلك هو عدم القدرة على التركيز وتشتت الذهن وليس مشكلة أصيلة في الذاكرة.
ومن الأعراض نفسية للقلق النفسي: التوتر وسرعة الإستثارة وكثرة الحركة والخوف والأرق وفقدان القدرة على التركيز وفقدان الشهية.. هذا بالإضافة إلى أعراض فسيولوجية؛ كسرعة نبضات القلب، وأرتفاع ضغط الدم، وضيق التنفس والصداع وآلام المعدة، وارتعاش الأيدي والتعرق الغزير، وإضطراب الدورة الشهرية عند المرأة، والضعف الجنسي عند الرجل.. فحالات القلق تصاحبها زيادة في نشاط الغدة فوق الكلوية، مما يحدث تأثيراً مباشراً على أجهزة الجسم المختلفة.. وقد يأتي القلق النفسي في صورة أعراض نفسية فقط دون وجود الأعراض الفسيولوجية سالفة الذكر.
ومع إستمرار حالة القلق النفسي لمدة طويلة، يصبح الإنسان معرضاً للإصابة بمرض عضوي كقرحة المعدة والربو الشعبي والذبحة الصدرية والسكر والقوقلون العصبي والصداع النصفي.
قد تكون أسباب القلق النفسي أسباب عضوية أوأسباب نفسية .. يعتقد أن المصاب بالقلق العام يسيء استقبال وفهم واستيعاب ما يتواجد في حياته من مخاطر فإما يبالغ فيها أو يراها بغير الصورة التي هي عليه أو بأن ينظر فقط للجزء السيئ من الأشياء التي تمر عليه فينتبه للتفاصيل الغير محببة إلى نفسه من أي نشاط ينتظره مثلاً أو يقوم به أو أي ظرف يمر به أو من يرتبط بهم.
كما أن الشخص قد يكون غير واثق من قدراته على التعامل مع ما يراه خطرا يهدده أو كل ما يعتبره تهديدا أو تحدياً .. ويرتبط الشعور بالقلق بخوف من الفقد ويقصد به فقد شيء عزيز على الإنسان كجزء من شخصية أو فقد قريب أو فقد القدرة على عمل شيء ما، ويعزو بعض المحللون النفسيون الشعور بالقلق في اضطراب في نمو الأنا الأعلى Superego كجزء من الخوف من عدم القدرة على إرضاء ذات أخرى مثالية في نظره كالوالدين مثلا.
قد تكون صدمات الطفولة من أهم اسباب القلق النفسي، حيث يكون الأطفال الذين عانوا من سوء المعاملة أو الصدمات النفسية، بما في ذلك الذين شهدوا أحداثاً مؤلمة، أكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق النفسي في مرحلة ما من الحياة، وقد يؤدي حدث كبير أو عدة ظروف حياتية مرهقة أصغر إلى حدوث القلق المفرط، بالإضافة إلى أنه قد تكون الأفكار والرغبات المكبوتة ونزاعها مع الإمكانيات المتاحة من مسببات القلق.
وقد ينتشر اضطراب القلق العام ضمن الأسر وراثياً، وقد يكون الأشخاص الذين لديهم نوع شخصية معين أكثر عرضة لاضطرابات القلق من غيرهم، إضطراب القلق العام عند النساء أكثر من الرجال بمعدل الضعف، وبلا شك أن تعاطي المخدرات أو الكحول يفاقم اضطراب القلق، وقد يزيد الكافيين والنيكوتين أيضاً من القلق.
وغالباً ما يكون اضطراب القلق العام مصاحبا لأمراض واضطرابات نفسية أخرى( فيما نسبته 70 % إلى 90% من الحالات) مثل الرهاب، اضطراب الهلع، والاكتئاب.
وعادة ما يلجأ المصابون بهذا القلق المزمن إلى أطباء الأمراض الباطنة أو الممارس العام بحثا عن سبب وعلاج للأعراض الجسمانية للقلق مثل الخفقان والصداع وأعراض الجهاز الهضمي.. ومع شكواهم من شيء محدد كالإسهال أو آلام الرقبة والصداع إلا إنه نادراً ما يوجد سبب عضوي لتلك الشكاوي.