المدرسة السلوكية
ظهرت هذه المدرسة كرد فعل على المدرسة البنائية التي كانت تركز على دراسة الشعور الذي لا يمكن قياسه، وملاحظته بطريقة موضوعية. كما ثارت هذه المدرسة على مدرسة التحليل النفسي التي جعلت من منهج الاستبطان كطريقة المستخدمة للحصول على المعلومات لافتقاره للموضوعية بالإضافة إلى اهتمام المدرسة التحليلية بالغرائز والعوامل البيولوجية في تشكيل السلوك، و إهمال دور التدريب والتعلم، ويعتبر عالم النفس الأمريكي واطسون جون برودس هو مؤسس هذه المدرسة، إذ اعتقد هو وأتباعه أن السلوك الظاهري ـ لا التجربة الباطنة ـ هو مصدر المعلومات الوحيد الممكن الوثوق به. وجاء هذا التركيز على الحوادث المرئية بمثابة رد فعل لتأكيد مدرسة البنيوية على الاستبصار. وقد أكَّد السلوكيون على أهمية البيئة في تكوين السلوك الفردي، وبحثوا بصورة رئيسية العلاقة الكائنة بين السلوك الظاهري والمثيرات البيئية.
وتأثرت المدرسة السلوكية كثيراً بأعـمال عالم النفس الفيزيولوجي الروسي إيفان بافلـوف، ففي دراسة مشهورة له، يقرع جرساً كلما قدم طعامـًا إلى كلب وكان لعاب الكلب يسيل كلما شم رائحة الطعام. وبعد تكرار بافلوف لهذه التـــجربة عدة مرات أخذ لعاب الكلب يسيل بمجرد قرع الجرس، حتى ولو لم يكن هنالك طعام. ودلت هذه التجربة على أن انعكاسًا لا إراديًا ـ كسيلان اللعاب ـ يمكن أن يقترن بمثير غير المثير الأول الذي ولّده في الأصل، وهو في هذه الحالة صوت الجرس لا رائحة الطعام. وتدعى عملية التعلم هذه حيث تصبح الاستجابة رد فعل لمثير جديد (الارتباط الشرطي).
وأدرك واطسون وغيره من السلوكيين أنه من الممكن أيضًا تغيير سلوك الإنسان بالإشراط. والواقع أنه اعتقد أن بإمكانه توليد أية استجابة يريدها من خلال التحكم في بيئة الفرد.
وفي منتصف القرن العشرين اجتذب عالم النفس الأمريكي بي إف سكنر كثيرًا من الانتباه بفضل أفكاره السلوكية، ففي كتابه والدن الثاني (عام 1948م) وصف سكنر كيفية تطبيق مبادئ الإشراط من أجل خلق مجتمع مثالي وفقاً لمخطط مرسوم.

ومن مسلمات التي افترض واطسون قيام السلوكية على أساسها:
-
التطورية: وتعني أن الإنسان تطور من الحيوانات، وأن الفرق بين الإنسان وغيره من الكائنات الحية هو فرق في مستوى تعقيد وتركيب السلوك. (لذلك شاع في هذه المدرسة التجريب على الحيوانات وتعميم النتائج على الإنسان).
-
الحتمية: أن السلوك يحدث نتيجة للمثيرات البيئية.
-
العلمية: وتعني استخدام الأسلوب العلمي في الدراسة والبحث كالملاحظة والتجريب.
-
الإختزالية: وتعني أن السلوك مركب يمكن اختزاله وتحليله إلى عناصره الأولية.
-
ومن جانب آخر ركز واطسون على أهمية البيئة والتربية في نمو الفرد على حساب الوراثة. وقد اشتهر عن واطسون مقولته « أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين وسأختار احدهم صدفة وأدربه وأعلمه فأصنع منه ما أريد (طبيباً، أو تاجراً، أو عالماً ...) بغض النظر عن مواهبه أو سلالته.