ساد التفكير البشري ما قبل التاريخ نظرية اللبس الشيطاني، فقد كان يعتقد الأقدمون وجود أرواح أو شياطين خيرة أو شريرة لها القدرة على أن تلج الجسم البشري وتسيطر عليه على نحو ما.. وبهذا التصور استطاعوا أن يفسروا بعض الجوانب الغريبة في السلوك البشري مثل الأمراض النفسية، والعبقرية الفنية، فإذا كانت تلك الأرواح خبيثة وشريرة فهي توجه الإنسان وجهات نفسية وجسمية سلبية فيتكون المرض الجسمي والنفسي، أما إن كانت الأرواح خيرة وليست شريرة فيتكون العبقري في الفن والشعر.

تاريخ علم النفس
لقد بقي هذا التصور للعبقرية حتى القرن التاسع عشر، ولا يزال كثير من كتاب الثقافة العامة يكتبون عن شيوع الأمراض الجسمية والنفسية بين العباقرة بصفتها من الأسباب الدافعة والمسببة للخلق والإبداع، هذا ما يمثل امتداد للفكرة القديمة عن الفنان بأنه مجنون، وبأنه ينتج أعظم أعماله بتأثير قوى خارقة للطبيعة، وبعيدة تماماً عن مجال حسه وتحكمه، وهو ما تدحضه الدراسات الحديثة للإبداع.
من بين جميع حضارات العصور الوسطى لم يكن هناك غير العرب ممن استطاعوا أن يطوروا بعض الأفكار العلمية عن الأمراض العقلية. فعلى سبيل المثال نجد أن ابن سينا قد قام بالعديد من المحاولات للخروج من الإطار التأملي الفلسفي إلى مجال الممارسة في علاج بعض الأمراض النفسية والعقلية، مما يجعله من أحد الأطباء النفسيين الأوئل في تاريخ المعرفة البشرية.. حيث قام بتخصيص اقساماً مستقلة من كتبه لأمراض كالقلق والهستريا والسوداوية ( الإكتئاب ) وفقدان الذاكرة والمشكلات الجنسية، فهو أيضا لم يكتف بالوصف لهذه الأمراض بل قدم محاولات لعلاجها.
تم إنشاء أول مصحة عقلية في تاريخ البشرية في بغداد سنة 792 هجرية، وتبعها بعد ذلك إنشاء مصحات نفسية أخرى في دمشق وبعض البلدان العربية الأخرى وكان يطلق على المصحات النفسية ( بيمار ستانات )، وفي هذه المصحات النفسية العربية كان المرضى النفسيون يتلقون معاملة إنسانية في الوقت الذي كان المرضى النفسيون في دول أوروبا يحرقون أو يلقون بالسلاسل في الأقبية المهجورة المظلمة حتى الموت.